الخميس، 27 يناير 2011

عودة حكومة التحالف القمعي الدستوري اليساري في عهد بن علي

عودة حكومة التحالف القمعي

الدستوري اليساري في عهد بن علي

لتكون بعده حكومة انتقال ديمقراطي

بقلم : نبيل الرباعي *

قبل الإعلان رسميا عن هذه الحكومة القديمة في ثوبها الجديد ، كاد المعلن عنها يتخلى في اللحظات الأخيرة السابقة لإعلانها مثلما تخلى رئيسه الذي تشاور معه بالهاتف بضع ساعات قبل إعلان هذه التشكيلة.

تشكيلة في جوهر مكوناتها وتوجهها السياسي العام هي تشكيلة قديمة بالية ، لكنها حاولت في الشكل وعلى سبيل المناورة والمغالطة أن تضع بعض المساحيق عليها بإدخال وجوه جديدة ، وإن تكن مهترئة ، على ركح اللعبة القادمة.

وهذه الحكومة هي في الحقيقة وبكل وضوح حكومة التحالف القمعي الذي دش نبه بن علي عهده ، تحالف بين الحزب الدستوري الحاكم وجناح انتهازي في اليسار التونسي ، وهذا التحالف عادت هذه الحكومة القديمة المتجددة في قدمها تشكيله وترتيبه لإحكام القبضة على الشارع التونسي الثائر من أجل السطو على ثورة الشعب الذي لم يهدأ سواء عند مشاورات تشكيلها أو حتى بعد الإعلان رسميا عن تشكيلها ، لأن هذا الشعب الواعي لم تنطل ولن تنطلي عليه هذه الأكذوبة وهذه المهزلة وهذه المناورة التي جمعت في بوتقة واحدة فلول النظام القمعي المتهاوي وعناصر انتهازية من اليسار التونسي التي لا يخفى على أحد توجهها القمعي وممارساتها الإقصائية الاستئصالية ، فقد هرولت هذه العناصر لانتهازية كعادتها دائما لنيل حصتها في هذه الغنيمة الجديدة استجابة لنداء الشرعية المزعومة الذي أرسلته فرنسا وهو نداء يخفي الضغط المسلط على الجميع في اتجاه تكوين هذه الحكمة والظهور بمثل هذه التشكيلة التي ظهرت عليها ، أبناء تونس الثائرة ليسوا أغبياء إلى درجة ألا يتفطنوا ويرصدوا التحركات المشبوهة الضاغطة في اتجه إجهاض ثورة الجماهير الغاضبة الرافضة.

ولكي يتضح المشهد أكثر وتتبين حقيقة هذه المناورة المهزلة يجب استحضار تشكيلة التحالف القمعي الأول بين لحزب الدستوري الحاكم وعنصر انتهازية من اليسار التونسي في بداية عهد حكم بن علي..

ثم لتقارن بين تشكيلة التحالف القديم الأول وتشكيلة التحالف القديم الثاني الذي يراد له أن يكون تحالفا جديدا من أجل حكومة وحدة !! وطنية !! يزعم أنها ستكون حكومة انتقال ديمقراطي !!!

1- تشكيلة التحالف القمعي الأول الدستوري اليساري الانتهازي :

منذ انقلاب بن علي وإفتكاك السلطة وهرولة بعض فقهاء القانون الدستوري لإضفاء شرعية دستورية على اغتصاب السلطة والذين لا يستحيون أن يظهروا وجوههم بصفاقة فائقة بمناسبة وبدون مناسبة ، هرول خلفهم وبسرعة أكبر اليسار التونسي بن علي لاحتضانه والشد على يديه الظاهرتين المتوضئتين بدماء أبناء الخميس الأسود في جانفي 1978 وهم يعرفون ذلك ولا يخفى عليهم ولم يكن ليخفى عليهم ، مبررهم في ذلك التحالف القمعي الدموي ما يطارد أذهانهم ومستقبلهم السياسي من هاجس أو شبح التيار الإسلامي الواسع الانتشار شعبيا والواجب في اعتقادهم التصدي له واستئصاله ، ولا يمكن أن يتحقق لهم شيء من ذلك إلا بالتحالف مع أجهزة حكم بن علي ، فتقرر الهرولة إليه والتعاون معه والالتفاف عليه وهو ما حصل ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك أو يتفصى منه ، فكان اكتساح اليسار الانتهازي الاستئصالي تشكيلة حكومة بن علي في أفريل 1988 بعد أقل من عام على حصول الانقلاب.

وللمتابع للمشهد السياسي التونسي عبر مختلف مراحله أن يستحضر ملامح هذه التشكيلة الحكومية المجسدة للتحالف القمعي الدستوري اليسار الانتهازي ليكتشف بكل يسر أن هذه التشكيلة تميزت بتولي المنظر الماركسي الكبير محمد الشرفي حقيبة وزارة التربية والعلوم بعد اتفاق مع رئيسه بن علي على أن يدوم مكثه على رأس هذه الوزارة خمسة أعوام على الأقل يستطيع خلالها ومن خلالها تمرير وتنفيذ برنامجه المزدوج ايديولوجيا وسياسيا ، فعلى الصعيد الايديولوجي مطاردة الإسلاميين باعتماد أسلوب تجفيف المنابع ، وهذا يحتاج إلى توضيح ليس هنا مكانه ، ذلك بالقضاء على ما تبقى من جامعة الزيتونة وحل الاتحاد العام التونسي للطلبة الذي يكاد يهيمن به الإسلاميون على الجامعات إضافة إل طرد واقصاء الإسلاميين من جميع المواقع سواء في المؤسسات التعليمية بمختلف درجاته أن في مستوى الطلبة والتلاميذ والمنتمين والمنتميات لسلك التدريس والإدارة وضحايا القمع الذي مارسه الشرفي على الإسلاميين في كل هذه المواقع والمستويات لا يخفى عل أحد ولا يستطيع أن يحجبه أحد لأن الغربال يحجب الشمس.

وأما على الصعيد السياسي ، وباختصار شديد فقد مارس الوزير الماركسي دوره القمعي خدمة لنظام بن علي الدموي بالتنظير لجملة قمع واسعة النطاق تطال الإسلاميين في كل الأماكن على كامل تراب البلاد ليرسم بذلك إطار السياسة القمعية المجمدة من طرف نظام بن علي والوزير الماركسي جزء أساسي في منظومة هذا النظام القمعي ، ومبرر وجوده في هذه المنظومة هو الالتقاء مع بن علي في القمع ، والثابت أن الذي حصل هو أن هذا الوزير الماركسي تولى بنفسه في حدود اختصاص وزارته الكبيرة آنذاك تنفيذ جزء هام من هذا المخطط القمعي الذي صفق له وباركه وساهم فيه قطاع واسع من اليسار التونسي ، كما تولى في نفس الإطار السفاح عبد الله القلال وزير الداخلية تنفيذ الجزء الدموي الأكثر مأساوية في هذا المخطط القمعي بالتنسيق المباشر مع كل من الوزير الماركسي منظر القمع وهما من نفس الجهة ويسهل التنسيق بينهما ولا أحد يمكنه أن ينكر النزعة الجهوية في العمل السياسي بتونس ، وكذلك بتنسيق كليهما أي الوزير المنظر والوزير المنفذ مع رأس النظام بن علي ، وهذا أيضا غير خاف على أحد ولا يمكن أن ينكره أو يتفصى منه أحد ، بما يتأكد معه توافق هذا الثالوث القمعي تأكيدا في نفس الوقت للتحالف القمعي الدستوري اليساري الانتهازي.

وبذلك يكون البرنامج المزدوج للوزير الماركسي ايديولوجيا وسياسيا قد أخذ مجراه نحو التنفيذ بكل مأساوية وكارثية ولا إنسانية ضد قطاع عريض من الشعب التونسي ليس من حق أحد أن يمارس ضده القمع والاقصاء والاستئصال ، ولكن ذلك حصل تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان ومكاسب الجمهورية من الهجمة الظلامية الإسلامية !!!

ولئن مثل الوزير الماركسي للتربية والعلوم الشخصية الأبرز في اليسار الانتهازي التي تولت الترسيخ والتمكين لسلطة القمع التي تأسس عليها نظام بن علي ، فإن هناك شخصيات أخرى ضالعة في هذا التوجه القمعي كانت جزءا هاما وأساسيا من هذا التحالف القمعي الدستوري اليساري تذكروا فقط أسماء مثل منصر الرويسي – أحمد السماوي – الصادق رابح وغيرهم ، علاوة على الشخصيات التي تدعم هذا التيار الاستئصالي داخل حكومة التحالف القمعي في بداية عهد بن علي وطوال العشرية الأولى منه ، فهل سيختلف الأمر عندما نمعن النظر في تشكيلة حكومة التحالف الجديد.

2- تشكيلة حكومة التحالف الجديد القديم :

هذه الحكومة المعلن عنها مشكلة من جناحين رئيسيين يتداخل بينهما بعض العناصر التائهة التي جيء بها لإضفاء شيء من شرعية مفقودة على حكومة تقوم حاليا بالسطو على ثورة الشعب ، فهذه التشكيلة هي تشكيلة توزيع غنائم في شكل حقائب وزارية تدافع إليها جياع الانتهازيين تدافع الجياع قديما إلى موائد الإفطار ، ولهم في هذه الهرولة وهذا التدافع تبرير ، فقطار العمر يقترب من الوصول إلى المحطة النهائية دون أن يتمكن أغلبهم من الظفر بالغنيمة ودون أن يعاود بعضهم الحصول مجددا على الغنيمة ، خاصة وأن معدل أعمار هذه التشكيلة يتراوح بين 65 و 71 و80 عاما.

لقد جاء هذا التوزيع للحقائب الغنائم توزيعا شبه متساو بين مكونات تحالف القمع القديم ، الحزب الدستوري من ناحية وعناصر انتهازية من اليسار التونسي من ناحية أخرى ، فالتوزيع هذه المرة للغنائم جاء أكثر توازنا بين طرفي التحالف.

فالطرف الدستوري الممثل لفلول بقايا النظام المتداعي ، كان من نصيبه الوزارة الأولى ووزارات السيادة وعديد الوزارات الأخرى بما يصل مجموعه إلى نصف عدد الحقائب ، أما الطرف اليساري الانتهازي فقد حاز تقريبا النصف المتبقي ، وعليكم أن تستعرضوا بعض الوجوه التي غنمت حقائب وزارية :

1- منصر الرويسي ، اليساري الدستوري العائد وزير أساسي في تشكيلة التحالف القديم وها هو يعود دون أن يتفطن إليه أحد

2- البقية : أحمد إبراهيم حزب التجديد الشيوعي ، أحمد نجيب الشابي ، الطيب البكوش ، عبد الجليل البدوي (قيل أنه استقال ولكن لا يغير من الأمر شيئا) حبيب الديماسي (كذلك) فوزية الشرفي (أرملة الوزير الماركسي محمد الشرفي) أنور بن قدور (صهر الوزير الماركسي محمد الشرفي) (هل هو الانتقال من عائلة بن علي إلى عائلة الشرفي) ؟! وأسماء أخرى يمكن مراجعتها في قائمة التشكيلة..

والمهم أليست هذه التشكيلة في الجوهر إعادة لتشكيلة حكومة التحالف القمعي القديم بمساحيق ديمقراطية جديدة في مستوى الشعارات المعلن عنها في محاولة لإضفاء شرعية مفقودة على حكومة سرقت ثورة الشعب ، ولتمرير حربوشة حكومة الوحدة الوطنية وما هي بحكومة وحدة وطنية طالما رافقها الاقصاء والاستثناء منذ لحظة الإعداد لولادتها ، والسؤال هل تجهض حكومة التحالف القمعي الجديد ثورة الشعب ؟ أم هل أن الثورة ستزلزل الكراسي من تحت إليات عناصر هذا التحالف الحكومي الدستوري اليساري القمعي الانتهازي ؟؟

الساعات القريبة كفيلة بالاجابة الحاسمة عن ذلك ، أما عن بعض الذين تورطوا بهرولة انتهازية في الانضمام إلى هذه التشكيلة حتى وإن أعلن بعضهم الاستقالة فالتورط المضاد للشعب قد حصل ولا يمسحه الإسراع بإعلان الاستقالة ، ما هذا المستوى ؟ وما هذه الحسابات السياسية السخيفة والمفضوحة...

وسؤال آخر ، إذا كان الضغط الخارجي وتحديدا الضغط الاستعماري الفرنسي قد نجح في صياغة تشكيلة التحالف القمعي القديم الجديد ، فهل يصمد هذا التحالف أمام وهج ثورة الشعب ؟

كفى الشعب التونسي اعتمادا على الخارج وانتهاجا لأسلوب الاقصاء والاستثناء ، ثورة الشعب تريد الحرية للجميع بلا إقصاء ولا استثناء...

شعب متحضر يتسمع صدره لجميع أبنائه من كل الأطياف والتوجهات.

ليس من حق أحد أن يفرض وصايته على إرادة الشعب...

* نبيل الرباعي ناشط سياسي

http://rebainabil.blogspot.com

E-mail : rebai_nabil@yahoo.fr

الهاتف : 487 361 98

ليست هناك تعليقات: